الدرس
المجزوءة الثانية: المعرفـــــــــة
تأطير مجزوءة المعرفة
يعتبر الإنسان كائنا عارفا ومنتجا للمعرفة. ولذلك فقد احتل مبحث المعرفة في مجال التفكير الفلسفي مكانة هامة في انشغالات الفلاسفة وأبحاثهم. وقد طرحت عدة إشكالات في هذا المبحث من قبيل: إمكانية المعرفة، مصدرها، طبيعتها، معاييرها، قيمتها، وظيفتها ومناهج الوصول إليها وطرق إنتاجها…
وغالبا ما يتم التمييز في عملية إنتاج المعرفة بين ثلاثة عناصر رئيسية: الذات العارفة،موضوع المعرفة، ومنهج المعرفة. ومعظم الإشكالات التي يتم إثارتها في مجال المعرفة تتعلق بالتفاعلات الحاصلة بين هذه العناصر الثلاث.
وقد ندبت الفلسفة نفسها منذ البداية من أجل البحث عن الحقيقة أو المعرفة الصحيحة. ولذلك فقد عمل الفيلسوف على ابتكار مناهج عقلية تمكن من إنتاج معرفة بالأشياء مخالفة للمعرفة السائدة أو بادئ الرأي. وهي معرفة مؤسسة على براهين وحجج عقلية وليست مجرد معرفة عفوية وتلقائية. كما كان هدف الفيلسوف بالأساس هو الوصول إلى الحقيقة، أي البحث عن الحقيقية من أجل الحقيقة، وهو ما أدى إلى التساؤل فيما بعد عن قيمة الحقيقة وعن الهدف من البحث عنها. وللتعرف عن الحقيقة أو المعرفة الصحيحة كان لا بد للفلاسفة من أن يضعوا معاييرا للتمييز بين الحقيقة من جهة وأضدادها كالخطأ والوهم والكذب من جهة أخرى، وهي المعايير التي سيختلف الفلاسفة في تحديدها كل واحد من منطلقه الخاص.
هكذا إذن سيعالج الفلاسفة مجموعة من الإشكالات المتعلقة بالحقيقة أو بالمعرفة بوجه عام، من أهمها الإشكالات الثلاث التي نجدها في مفهوم/درس الحقيقة وهي: الحقيقة والرأي، معايير الحقيقة وقيمتها.
ومن المعروف أنه، وابتداءا من القرن التاسع عشر ستظهر العلوم الإنسانية وتحاول الانفصال عن الفلسفة لدراسة موضوعاتها بمنهاج مستقلة عن التأمل الفلسفي،كما ستزدهر الأبحاث الإبستيمولوجية المتعلقة بالتفكير النقدي والتحليلي الذي سينصب على المعرفة العلمية الدقيقة، سواء في ما يخص مناهجها أو مفاهيمها أو نظرياتها أو تاريخها…
انطلاقا من هنا، يمكن أن نلاحظ أن الإشكالات المتعلقة بالمعرفة تطرح في هذه المجزوءة على ثلاثة مستويات رئيسية: مستوى المعرفة بمعناها الفلسفي العام (الحقيقة)، مستوى المعرفة المتعلقة بمجال العلوم الحقة ومستوى المعرفة المتعلقة بالعلوم الإنسانية. ومادام أن الأمر يتعلق بإشكالات تخص مشكلة المعرفة، فإننا نجد تقاطعات بين إشكالات المفاهيم الثلاث؛ فإشكال التمييز بين المعرفة العقلية العالمة والمعرفة العامية المتداولة،و كذلك إشكال معايير المعرفة حاضران في درس الحقيقة وفي درس النظرية والتجربة؛ ففي المحور الأول من درس الحقيقة نجد إشكال الحقيقة والرأي وهو يتقاطع مع إشكال التجربة والتجريب في درس النظرية والتجربة، ذلك أن الأمر يتعلق في كلا المحورين بالتمييز بين المعرفة العقلية المؤسسة على البراهين أو التجارب العلمية من جهة، وبين المعرفة الموجودة لدى الحس العام والتي ترتبط بالتجارب الحياتية المشتركة. ويظل مفهوم الحقيقية منفردا بإشكال يتعلق بقيمة الحقيقة، أي بجدواها والهدف من البحث عنها.
أما محور العقلانية العلمية في درس النظرية و التجربة، فهو يثير في آخر المطاف الإشكال المتعلق بمصادر المعرفة ومناهج الوصول إليها، وهو الأمر الذي يثير التعارض الحاصل بين أنصار النزعة العقلانية وأنصار النزعة التجريبية من جهة، كما يثير من جهة أخرى الاختلاف القائم بين نمط العقلانية الذي أفرزته الأبحاث الإبستيمووجية في مجال المعرفة العلمية الدقيقة، وبين نمط العقلانية الذي كان سائدا في الفلسفة الكلاسيكية.
وإذا تأملنا في درس “مسألة العلمية في العلوم الإنسانية”، فإننا نجده يثير إشكالا ميتودولوجيا (يتعلق بمنهج المعرفة) يتمثل في الكيفية التي ينبغي انطلاقا منها دراسة الظاهرة الإنسانية، سواء كانت ظاهرة نفسية أو اجتماعية أو غيرها. ولذلك نجد موقفين متعارضين؛ أحدهما أراد اقتفاء أثر العلوم الدقيقة وتطبيق مناهجها على الظواهر الإنسانية، وهو الموقف الوضعي العلموي، وموقف شاء ابتكار مناهج خاصة بالظاهرة الإنسانية نظرا لخصوصيتها وتميزها عن الظاهرة الطبيعية. وهذا التعارض هو الذي أفرز ما يسمى بأنصار منهج التفسير والقول بإمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية ودراستها دراسة علمية دقيقة، وأنصار الفهم القائلين بوجود صعوبات تحول دون إمكانية الموضعة هاته، مما يستلزم البحث عن مناهج جديدة ومتناسبة مع طبيعة الظواهر الإنسانية.
وعلى العموم، فنحن نلاحظ أن الأمر يتعلق في هذه المجزوءة بإشكالات متقاطعة تخص بالأساس مصادر المعرفة ومناهجها ومعاييرها، سواء تعلق الأمر بالمعرفة بمعناها الفلسفي العام (الحقيقة) أو المعرفة العلمية في مجال العلوم
الدقيقة (الرياضيات، الفيزياء…) أو المعرفة الإنسانية في مجال العلوم الإنسانية( علم النفس، علم الاجتماع …).
النظرية و التجريب
التجربة و التجريب:
الإشكال: هل للتجربة دور في بناء النظرية العلمية ؟
أطروحة النص : يؤكد CUVILLIERمن خلال مجموعة من الأمثلة دور التجربة العلمية أو التجربة في تأسيس النظرية العلمية حيث ينطلق العالم من ملاحظة الظواهر الطبيعية الفيزيائية ليضع فرضيات يخضعها إلى التجريب للتأكد من مدى صلاحيتها و صحتها ليخلص إلى قوانين علمية يعممها على جميع الظواهر المتشابهة و بذلك فالتجربة العلمية هي منطلق النظرية و منتهاها ، لكن ما هو الفرق بين التجربة بصفة عامة و التجربة العلمية.
جواب:يؤكد كوبري بين مفهوم التجربة بصفة عامة باعتبارها مجموع التعلمات و الخبرات التي يكتسبها الفرد من الحياة و تتميز بالعمومية و النفعية و الذاتية و المباشرة و يخضع لملاحظة عامة غير دقيقة عفوية و يعتبرها عائقا أمام العالم في رفض الأديان و بين التجريب و التجربة العلمية التي هي إعادة بناء ظاهرة معينة وفق شروط محددة يصنعها العالم ذاخل مجال مختبر في زمان و مكان محدد متحكم فيه يتيح للعالم مراقبة الظاهرة بشكل دقيق و تسجيل ملاحظته خلال مسارها انطلاقا من توجيه عقلي محدد علمي .
فما هي إذن أهم الخطوات للمنهج التجريبي؟
نص : روني طوم:
الإشكال الذي يجيب عنه النص:ما هي الخطوات الإجرائية للمنهج التجريبي و ما هي شروط الواقعة التجريبية كي تكون واقعة علمية؟
أطروحة النص: يعترض في البداية روني طوم على المنهج التجريبي في صورته الكلاسيكية الديكارتية ،و يقر بوجود وقائع أو ممارسة تجريبية تتطلب مجموعة من الإجراءات كي تكون علمية و هي :
-عزل الظاهرة المدروسة عن مجالها الطبيعي و إعادة بنائها داخل مجال مختبري قد يكون واقعيا أو خياليا.
-إخضاع هذه الظاهرة للإختبار التجريبي بحيث تكون تحت مراقبة العالم .
-إحداث اختلال عن الظاهرة المدروسة وفق مصادر موجهة بعناية .
-تسجيل وتدوين استجابات الظاهرة المدروسة لهذا الخلل بواسطة أجهزة دقيقة، و لكي تكون الواقعة التجريبية علمية لابد من توفر شرطين اساسيين:
-قابليتها لإعادة بنائها و تكرارها في مجالات زمكانية مختلفة.
-أن تجيب هذه الواقعة التجريبية عن حاجات إنسانية نظريا أو تطبيقيا.
استنتاج:
إدا كان ARMEND CUVILLIER قد قدم مجموعة من الأمثلة ليؤكد العلاقة بين النظرية و التجريب العلمي ، و ليبين كيف أن العالم ينطلق من ملاحظة ظاهرة أو حادثة فيزيائية معينة ليضع افتراضا أو فرضية هي بمثابة تفسير مؤقت لهذه الظاهرة لينتقل بعد ذلك إلى إخضاعها لإختبار التجريبي من خلال توفير شروط و أجهزة علمية دقيقة و حين يعيد التجربة عدة مرات و تتأكد الفرضية ينتقل إلى استنتاج القانون العلمي فيعممه على جميع الظواهر المشابهة للظاهرة المدروسة، و في هذا الصدد يقول كلود برنار»إن الحادث )الظاهرة( يوحي بالفكرة و الفكرة تقود إلى التجربة، و التجربة تختبر الفكرة . « مما يجعل العلاقة بين النظرية و التجريب علاقة جدلية و يرىروني طوم المنهج التجريبي الكلاسيكي غير قائم الذات فهناك و إنما هناك وقائع تجريبية،ةتقتضي إجراءات محددة و هي :
-عزل الظاهرة عن مجالها الطبيعي و إعادة بنائها داخل مجال مختبري و توفير شروط و أجهزة علمية دقيقة و تدوين جميع الملاحظات المتعلقة بالمسار التجريبي و حين تتأكد الفرضية من خلال تجارب متعددة في مجالات مختلفة تتحول إلى قانون علمي يصاغ صياغة رياضية، و يشترط في الواقعة التجريبية لكي تكون علمية أن تكون قابلة للتكرار و إعادة بنائها و أن تجيب عن حاجات إنسانية إما نظرية أو تطبيقية. إدا كانت التجربة هي معيار و مقياس صدق أو بطلان الفرضية فماهو دورالعقل في بنائها؟ هل للعقل دور في تأسيس النظريات ؟ أم أنها معطاة في الواقع التجريبي ؟
العقلانية العلمية :
ما هي خصائص العقلانية العلمية؟ ما هي حدودها ؟
نص : هانز رايشبانخ:
الإشكال الذي يجيب عنه النص: إلى أي حد تستطيع النزعة العقلانية ، المثالية و الحديثة بناء المعرفة العلمية؟
الاطروحة : ينتقد هانز رايشبانخ النزعة العقلانية المثالية و الحديثة لأنها تتعالى عن الملاحظة الحسية و التجريب، و تعتبر أن للعقل قوة خاصة تجعله قادرا على اكتشاف القوانين الفيزيائية العامة للعالم اعتمادا على الاستنباط و الحدس العقلي ، و يرى أن المعرفة العلمية لا يمكنها أن تستغني عن الملاحظة و التجريب مما يجعل النزعة العقلية اقرب إلى النزعة المثالية و التصوف منه إلى العلمية .
البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية الاثبات و التأكيد و الاتساق المنطقي.
نص : البير أنشاتين:
الإشكال الذي يجيب عنه النص: ما هو أساس المعرفة العلمية هل هو الإختبار التجريبي أم البناء العقلي الرياضي أم هما معا؟
الأطروحة: ينطلق انشتاين من انتقاد التصوير الذي يعتبر التجربة مجرد ملاحظة للواقع و أن النظرية عبارة عن تأمل ذهني خالص، ليؤكد أنه لا وجود لنظرية علمية عقلية خالصة و لا وجود لتجربة علمية مستقلة عن العقل. فبناء النظرية العلمية يقتضي التجربة و الملاحظة و العقل معا لأن انغلاق النظرية على ذاتها يؤدي إلى فنائهما ، فالمفاهيم و المبادئ المكونة للنظرية العلمية يبدعها العقل و لكن بتوجيه من التجرببة فالعقلانية العلمية المعاصرة هي عقلانية مبدعة تبتكر مفاهيمها و مبادئها من العقل الرياضي و تكون المعطيات التجريبية تابعة لهما فالعقل الرياضي هو مبدع النظريات و لكن دون استغناء عن الملاحظة و التجربة .
استنتاج :
نستنتج إذن أن التجربة كما تصورتها النزعة التجريبية أصبحت متجاوزة فهي لم تعد تتحكم في بناء النظرية العلمية كما أن العقل كما تصورته النزعة العقلانية المثالية و الحديثة لم يعد مكتفيا بذاته و قادرا على الإستغناء عن الملاحظة و التجربة بل أصبحت النظرية العلمية بناءا عقليا حرا يؤسسهما العقل الرياضي بتوجيه من التجربة. «إن اكتشاف المفاهيم و القوانين التي تحل بينهما هي من انتاج العقل الرياضي إلا أن التجربة تظل موجها و مرشدا للعقل في اختياره للمفاهيم » وهكذا فالعقلانية المعاصرة هي عقلانية مبدعة تبتكر مفاهيمها و أدواتها اعتمادا على العقل الرياضي وتحولت المعطيات التجريبية إلى موجه للعقل و تابعة له فما هي إدن معاييرالعلمية النظرية و مقاييس صلاحيتها؟
معايير العلمية النظرية :
ماهي معايير النظريات؟ ماهي معايير صلاحيتها؟
نص: الحسن ابن هيثم:
الإشكال الذي يجيب عنه النص:هل يمكن اعتبار النقد معيار العلمية النظرية؟
الأطروحة:يؤكد ابن هيثم على أن الناظر و الباحث في العلوم عليه أن يتسلح بالرؤية النقدية ليكشف عن مواطن النقص في النظريات العلمية و عن ضعفها و تناقضاتها قصد تعديلها و تجاوزها.
البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التوضيح والتفسير و الاستشهاد بمثال : )نمودج بطلموس .(
نص: كارل بوبر:
الإشكال الذي يجيب عنه النص: هل يمكن اعتبار التكذيب و التفنيد مقياسا و معيارا لصلاحية النظرية العلمية؟
أطروحة النص: يبين كارل بوبر أن ما يميز النظرية العلمية التجريبية عن غيرها من النظريات غير العلمية هي قابليتها للتكذيب و التفنيد.
البنية الحجاجية: لقد اعتمد النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية التأكيد و الإثبات و الإتساق المنطقي بالإضافة إلى الإستشهاد بأمثلة.
استنتاج:
إذاكان ابن الهيثم قد أكد على معيار النقد و المساءلة النقدية كمقياس لعلمية النظريات، حيث دعى إلى التسلح بالرؤية النقدية حين التعامل مع النظريات العلمية للكشف عن ما تحتويه من أخطاء و تناقضات قصد تجاوزها.
فإن كارل بوبر يؤكد أن النظرية لا تكون علمية تجريبية إلا إذا كانت قابلة للتنفيد و التكذيب، فالنظرية العلمية التجريبية هي التي تستطيع أن تقدم الاحتمالات الممكنة التي تفند بها ذاتها و تبرز نقاط ضعفها و تجعل فرضياتها قابلة للتكذيب
الحقيقة
إطار الدرس :
تحددت الفلسفة منذ نشأتها حتى بداية العصور الحديثة بوصفها بحث عن الحقيقة، لذلك فإن مفهوم الحقيقة ينتمي إلى مجال الفلسفة باعتباره مفهوما فلسفيا بامتياز، غير أن تعدد أشكال المعرفة التي تجعل من الحقيقة موضوعا لها يؤدي إلى تعدد الحقائق، ومن تم يمكن الحديث عن حقيقة فلسفية وحقيقة علمية وفنية ودينية... ومن هنا ينبع الطابع الإشكالي لهذا المفهوم التي ستتم معالجته تاريخية بدءا من الفلسفة اليونانية مرورا عبر الفلسفة الحديث وانتماء بالفلسفة المعاصرة.
I- من الدلالة إلى الإشكالية .
أ- الدلالة المتداولة : يشير لفظ الحقيقة للدلالة المتداولة إلى معنيين أساسيين : الصدق والواقع، الحقيقي : هو كل ماهو موجود وجودا واقعيا، بينما الصادق هو الحكم الذي يطابق الواقع ومن تم، يكون الواقع هو مرجع الحقيقة وأساسها فكل ماهو واقعي حقيقي وكل ما هو مطابق للواقع صادق وحق.
غير أن هذا التحديد للحقيقة يطرح جملة من التساؤلات أليس اللاواقعي واللاحقيقي يمكن أن يوجد ضمن الواقع، مثل : الخطأ، الكذب، الخيال... فهذه الأشياء واقعية لكنها ليست حقيقة. معنى هذا أن ليس كل ماهو واقعي حقيقي أوكل ماهو حقيقي واقعي وبالتالي فإن الدلالة الحقيقية. الشيء الذي يفرض علينا تجاوزها والتفكير فلسفيا في مفهوم الحقيقة من خلال تحديد الدلالتين اللغوينوالفلسفية.
ب- الدلالة اللغوية يعرفها الجرجاني في كتابه التعريفات "هي الشيء التابت قطعا ويقينا، يقال حق الشيء إذا تبين، وهي إسم للشيء المستقر في محله ومابه الشيء هو هو الملاحظ أن الجرجاني في هذا التعريف يختزل الحقيقة فيما هو تابث ومستقر ويقيني يقابله المتغير والزائف والمتحول، وبذلك يلتقي هذا التعريف مع المعنى الأنطلوجي للحقيقة كماهية وجوهر في المقابل الأعراض المتغيرة والفانية. أما على المستوى المنطقي فيرادف لفظ الحقيقة الحق والصدق ويقابله الباطل والكذب فتصبح الحقيقة بهذا المعنى هي الحكم المتطابق مع الواقع، ففي الحق يكون الواقع مطابقا للحكم، بينما في الصدق يكون الحكم مطابقا للواقع وبذلك تكون الحقيقة صفة للحكم المطابق للواقع.
ج- الدلالة الفلسفية :
يعطي لا لونك 5 معاني للحقيقة : - الحقيقة بمعنى الحق حين يطابق الواقع الحكم وضده الباطل.
- الحقيقة بمعنى الصدق حين يطابق الحكم الواقع وضده الكذب .
- الحقيقة بمعنى الشيء المبرهن عليه.
- الحقيقة بمعنى شهادة الشاهد لما رآه أو فعله .
- الحقيقة بمعنى الواقع .
خلاصة : نستخلص أن الواقع عند la lande يتبقى معيارا وأساسها للحقيقة الشيء الذي يؤدي إلى طرح مجموعة من الاشكالات يمكن صياغتها على الشكل التالي : - إذا كانت الحقيقة تتميز بالثباث واليقين عما طبيعة علاقتها بالواقع المتغير؟ إذا كانت الحقيقة هي الحكم فهل هي صورة الواقع المنعكسة ففي الفكر والمعبر عنها في اللغة بمعنى آخر، لاتوجد الحقيقة خارج اللغة والفكر وإذا كانت هي الواقع فهل نسبية أم مطلقة ؟ متعددة أم واحدة ؟ ذاتية أم موضوعية ؟ هل توجد بمعزل عن الخطأ والكذب أي عن أصنافها ؟ أم أنها متلازمة ومتداخلة معها ؟ ماهي أنواع الحقيقة ؟ ومن ثم من أين تستمد الحقيقة قيمتها ؟ .
II- الحقيقة والواقع .
تمهيد :
سنعالج في هذا المحور طبيعة العلاقة بين الحقيقة والواقع من خلال استحضار التصورات الفلسفية المرتبطة بهذا الموضوع، سواء تحلق الأمر بالفلسفة اليونانية أو الفلسفة الحديثة أو الفلسفة المعاصرة.
- الإشكالية : إذا عرفنا الحقيقة أنها خاصية ماهو تابت ومستقر وبقية فما هي طبيعة علاقتها بالواقع كمعطى متغير ومتحول ؟ هل هي الواقع ذاته أم هي مطابقة الفكر للواقع ؟ أم أن الأمر يتجاوز هذا وداك.
1) الفلسفة اليونانية :
أ- أطروحة أفلاطون : يعتبر أفلاطون أن وراء التغير في الأشياء وتحولها الدائم ماهيات تابثة ودقائق خالدة تمثل الواقع الحقيقي سماها أفلاطون بعالم المثل وهو عالم أزلي خالد لايلحقه التغير والفساد لأن المتغير والفاسد هو الواقع المحسوس وهكذا وفي نظر أفلاطون هناك عالمين : عالم المثل و هو عالم سامي فوق العالم المحسوس ومفارق له، يمثل عالم الموجودات و الصور العقلية الثابتة التي منها تستمد جميع الأشياء الحسية ووجودها، ففي المقابل كل الأشياء الحسية الكثيرة والمتنوعة توجد صورة عقلية في عالم المثل هي أصل هذه الأشياء، وماهذا الأشياء الأخيرة إلا نسخ مشوهة لتلك الصور العقلية الحقيقية وبذلك يكون مبدأ الواقع الحسي هو عالم المثل الذي يعبر في نظر أفلاطون الواقع الحقيقي، فبينما ينتمي الواقع الحسي إلى عالم التغير والفناء، عالم الأوهام والنسخ المشوهة غير الحقيقية نجد عند أفلاطون أن الحقيقة لايمكن أن توجد إلا في العالم المعقول، عالم الصور العقلية الخالصة الذي لاندر كما إلا بالتأمل العقلي والمجرد التي يعوقه الحواس عن إدراك هذا الواقع الحقيقي .
- أرسطواطاليس .
إذا كانت الحقيقة حسب أفلاطون تابثة وعقلية، فإنها لاتوجد في عالم المثل، فهذه النظرية حسب أرسطوطاليس ليست سوى مجازات شعرية لا وجود لها في الواقع، لذلك فإن الحقيقة لاتخرج عن هذا العالم الحسي المتغير، فوراء تغير الأشياء ولاولى الدائم هناك الملهيات التابتة لأن التغير في نظر ارسطو لايتم إلا في إطار التبث والاستمرار وبذلك فإن الحقيقة عند أرسطو هي ماهية مجانية للأشياء متظمنة فيها يتم التوصل إليها بواسطة عملية التجريد تلغى فيها الأعراض المتغيرة الزائلة ويتم الاحتفاظ بالماهيات العقلية الكلية الذي تمثل الواقع الحقيقي وهكذا يعتبر أرسطو أن لكل شيء طبيعة جوهرية هي حقيقة التي توجد وراء الأعراض الحسية.
ينتهي إذن أرسطو إلى نفس موقف أفلاطون من الحقيقة وكل ما فعله هو إيزال تلك الصور العقلية زمن عالم المثل إلى الواقع الحسي وجعلها عقلية ومعقولة توجد في الفكر لكن إدراكها لابد أن يمر عبر الحواس الشيء الذي تجعلنا نواجه التساؤل التالي : - ألم تحول الحواس دون إدراك الحقيقة ؟ ثم حينما نحدد الحقيقة في العقل ألا نواجه إشكال آخر هو إشكال المطابقة، مطابقة الفكر للواقع، ألا يطرح هذا التطابق جملة من المفارقات الناتجة عن التناقض بين طبيعة الفكر والواقع.
2) الحقيقة بما هي مطابقة الفكر للواقع :
أ- أطروحة ديكارت، إن خداع الحواس وتشويش على العقل هو مادفع ديكارت إلى إقصاءها من عالم الحقيقة، حيث شك في لحواس وفي المعارف الجاهزة، والأحكام المسبقة... معتبرا أن الشك هو أضمن طريق للوصول إلى الحقيقة، التي جعلها تتحدد للأفكار الواضحة والمتميزة التي لاتقبل الشك. ينطلق ديكارت إذن من الشك في الحواس لأنها تخدعنا وفي المعارف السابقة وفي كل شيء إلى أن ينتهي إلى القول بفكرتين عقليتين هما : الفكر والامتداد وهما، فكرتين فطرتين في العقل استمدهما من ذاته اعتمادا على قواه الذاتية : يقول ديكارت "كل الموضوعات معرفتي أفكار في عقلي" الفكر خاصية الوحيدة هي التفكير ولايشتغل حيزا في المكان بينما الامتداد لايفكر، يمتد بالمكان ويمكن قياسه ومن منا ينتمي ديكارت إلى القول بالواقعين هما الفكر والامتداد، وهما واقعان متناضران لانستطيع أحدهما التأثير في الآخر الشيء الذي يجعلنا أمام عالمين متوازين، عالم روحي حقيقي هو الفكر واضح ومتميز يتطابق مع واقع حسي ومادي الشيء الذي يجعلنا نواجه التساؤل التالي : إذا كانت الحقيقة بناء عقليا خالصا فإن تحديدها كتطابق يطرح جملة من الاشكالات : كيف يمكن لشيئين من طبيعتين متناقضتين أن يتطابقا الحقيقة ؟ من طبيعة عقلية روحية، بينما الواقع من طبيعة مادية. كيف نضمت التطابق بينما في الأدهان، ومافي الواقع الخارجي ؟ .
الحل الذي يقدمه ديكارت الضمان الإلاهي يظل غير مقنع على الشيء الذي جعل بسينورة يقول، نحو مر الواحد الذي يكون بقيمته مستمد من ذاته وبالتالي فالحقيقة هنا هي معيار ذاتها .
ب- أطروحة جون لوك :
يرفض لوك أطروحة ديكارت الفاعلة للأفكار الفطرية فإذا كان العقل في نظره هو صفحة بيضاء وكل الأفكار والمعارف التي تحصل عليها من الواقع التجريبي فهذه الأفكار بتطابق مع الأشياء المادية وعليه فإن الحقيقة هنا هي تطابق الفكر والواقع وأساس الحقيقة هنا ليس هو العقل وإنما هو التجربة.
خلاصة : هكذا يقدم كل من ديكارت ولوك نضرة أحادية الجانب للحقيقة فدلكارت يميل إلى العقل ويجعله مصدر الحقيقة بينما يجعل لوك إلى التجربة و يجعلها مصدرا للحقيقة.
أطروحة على عكس النظرة الأحادية للجانب الإتجاهين السابقين. للحقيقة قدم كانط تصورا نقديا لكتب (جدلي) للحقيقة معتبرا أن هذه الأخيرة لاتوجد في الذهن على نحو فطري كما يقول ديكارت، وليست معطاة بالواقع الحسي كما يزعم التجريبيون، وإنما تبنى وتشيد. تأسس الحقيقة وفق هذا التصور النقدي على تطابق المعطيات الواقع الحسي مع البنية القبلية للعقل، فالواقع يزودنا بمادة الحقيقة والعقل يزودنا بصورتها وهكذا فلا وجود في نظر كانط لحقيقة عقلية خالصة، أو حقيقة تجريبية محضة، إن الحقيقة ليست هي مطابقة الفكر للواقع وإنمامي انتظام معطيات الواقع الحسي مع النظام القبلي للعقل (المقولات، الزمان، المكان) تبقى الحقيقة إذن مشروطة لما تعطيه التجربة للعقل ومايمد به العقل معطيات التجربة، بمعنى آخر أن الحقيقة تظل رهينة مطابقة الفكر للواقع .
تحليل نص : الحقيقة الصورية والحقيقة المادية :
يتحدث هذا النص (الحقيقة الصورية والحقيقة المادية) لصاحب إما نويل كانط وهو بالمناسبة فيلسوف ألماني اشتهر بالفلسفة النقدية التي حاولت التوفيق بين الفلسفة العقلانية والفلسفة التجريبية وقدم نظرة تركيب للحقيقة تحاول الجمع بين بعدها الصوري العقلاني وبعدها المادي التجريبي. والنص الذي بين أيدينا مقتطف من كتابه المشهور (نقد العقل الخالص ومن خلال يحاول تقديم وجهة نظر نقدية حول الحقيقة لذلك تساؤل مع كانط ماهو مفهوم الحقيقة ؟ ماهي أنواعها ؟ وهل هناك معيار للحقيقة ؟ وإذا كان هذا المعيار موجودا فما هي طبيعته ؟ يعرف كانط بالحقيقة على أنها مطابقة الفكر لموضوعه وهكذا يميز بين نوعين من الحقيقة، دقيقة مادية، وأخرى صورية، ففي الحقيقة المادية تكون بمعنى المطابقة أي مطابقة المعرفة (موضوعها وهنا لايمكن أن يكون هناك معيارا كليا وشموليا للحقيقة ينطبق على جميع الموضوعات أما فيما يتعلق بالحقيقة الصورية فيعني بها مطابقة المعرفة لذاتها وهنا يمر كانط بوجود معيار كلي وشمولي للحقيقة سماه المنطق، والمنطق في نظره هو مجموعة من القواعد والقوانين العامة في الفكر التي تكون معيار الصواب والخطأ. فما يتطابق مع هذه القواعد يكون صائبا وحقيقيا، وما يخالف هذه القواعد يكون خاطئا هكذا ينتهي كانط إلى بناء تصور نقدي للحقيقة ينبني على فكرة المطابقة مطابقة المعرفة للموضوع ومطابقة المرفوض والمنطوق للشيء مما يجعله لايخرج عن التصور التقليدي للحقيقة .
مناقشة :
من خلال أطروحة مارتن هيدوجر ونظرا لإستحالة تطابق ماهو عقلي مجرد مع ماهو مادي محسوس فإن هيدجر يعمل على طرح مفهوم آخر للحقيقة لايقوم على المطابقة وإنما على الحرية والانفتاح وهكذا يرى هيدجر أن ماهية التطابق تنحصر في طبيعة العلاقة بين المنطوق أو الفكر وبين الشيء من حيث أن التطابق يعني حضور الشيء ومثوله أمام الذات غير أن التطابق بهذا المعنى يؤدي إلى الحد من تريه الوجود وانفتاحه الشيء الشيء الذي يقول إلى تحجبه واختفاءه.
3) أنواع الحقيقة :
تمهيد : إذا كانت الحقيقة مرتبطة بالخطاب واللغة وإذا علمنا أن هناك خطابات متعددة وليس خطابا واحدا ذلك سيؤدي إلى تعدد الحقيقة وتنوعها بتعدد هذه الخطابات.
- هل الحقيقة واحدة أم متعددة ؟ وإذا كانت متعددة فماهي أنواعها ؟ ثم من أين تستمد مصدرها ؟ كيف يتم إقناع الآخرين بها.
1) أطروحة ابن رشد : يرى ابن رشد أن الحقيقة الواحدة هي الحقيقة الدينية التي تستمد مصدرها من الوحي الالاهي. لكن الحقيقة وإن كانت واحدة فإن طرق تبليغها وإقناع الناس بها متعددة تختلف باختلاف مستواهم المعرفي والعقلي وماجدلوا عليه من التصديق ذلك أن طباع الناس متفاضلة للتصديق فمنهم من يصدق بالبرهان وهو خاص بالفلاسفة، ومنهم من صدق بالجدل وهو خاص بالمتكلمين، ومنهم من يصدق بالخطابة وهم عامة الناس.
يستنتج ابن رشد من هذا التصور الوحدوي للحقيقة على أن الحقيقة الفلسفية لاتخالف المشرع لأن كلاهما يطلب الحق والحق لايضاد الحق بل يوافقه وشهد لتك ما يقول ابن رشد نفسه وبذلك فإن الحقيقة واحدة وإن تعددت سبل الوصول إليها.
2) أطروحة مشيل فوكو : يقسم فوكو الحقيقة إلى 14 أنواع فهناك الحقيقة البنوية والحقيقة الفلسفية والسياسية والعلمية، وبالتالي فإن الحقيقة الدينية إن هي إلا وجه واحد من أوجه الحقيقة المتعددة والمتنوع. ولكن من أين تستمد الحقيقة قيمتها ومصدرها ؟ كيف تفرض نفسها وسلطتها على الناس ؟ يجيب فوكو أن الحقيقة تستمد مصدرها وقيمتها من المجتمع الذي تنتمي إليه لذلك أن لكل مجتمع نظامه الخاص وسياسته العامة التي تحدد شروط إنتاج الحقيقة وتداولها واستهلاكها، ومعايير التمييز بين الخطاب الحقيقي والخطاب الخاطئ، والحدود التي لاينبغي أن تتجاوزها، ومن له الحق في قولها واستهلاكها وعليه فإن إنتاج الحقيقة وتأسيس النواة التي لها الحق في القول الحقيقة يتم تحت مراقبة المؤسسات الاجتماعية (الجامعة المدرسة الأسرة، وسائل الاعلام...) وفق طقوس خاصة ومراسيم محددة سلفا، إن هذه الرقابة المفروضة على الحقيقة هي التي بتث مدى علاقة الحقيقة بالمؤسسة والسلطة التي تنتجها وتدعمها، وبالتالي فإن الحقيقة تستمد قيمتها من المؤسسة والسلطة، فلا حقيقة بدون سلطة لأن الحقيقة هي مدار كل سلطة.
3) أطروحة G Bachelard :
إن هيمنة المؤسسة على الحقيقة لم تسلم منها حتى الحقيقة العلمية المحصورة داخل شبكة من المؤسسات كالجامعات ومنظومة الكتب والنشر والطبع والخزانات، فهذا الخطاب الذي فرض نفسه القادر للوصول إلى الحقيقة دقيقة وناجحة. أنبث تاريخ العلم أن الحقيقة بشكل عام والحقيقة العلمية بشكل خاص لاتوجد بمعزل عن الخطأ، بل إن إدكار نوار "يعبر أن أكبر منبع للخطأ هو الحقيقة نفسها" وهكذا يرى باشلار أن تاريخ الوقوع في الأخطاء، وإعادة تصحيحها باستمرار، فأخطاء الماضي في نظر باشلار تكشف عن نفسها كنوع من الندم والمراجعة المستمرة للحقيقة. إن الحقيقة العلمية هي دائما هدم لحقيقة سابقة لم تكن مقامة على أساس مثين وتجاوزه في نفس الوقت لما يمكن أن يشكل عقبة أمام المعرفة العلمية ذلك أن هذه المعرفة تحمل في ذاتها عوائق إيستمولوجية تؤدي إلى أخطاء وتقف حاجزا أمام تقدم المعرفة العلمية، ومن أبرز هذه العوائق هناك الحس المشترك والأحكام الجاهزة وبادئ الرأي أو الظن. إنما ينقص التجربة المباشرة والمعرفة المشتركة حسب باشلار هو منظور الأخطاء المصححة الذي يتم به الفكر العلمي المعاصر، والعلم مطالب بالتقلص من هذه العوائق الإيستمولوجية حتى يتقدم ويتطور، وهكذا فالخطأ في نظر باشلار جزء لايتجزء من بنيته الحقيقة العلمية المعاصرة حيث يلعب دورا إيجابيا لتقدم العلم وتطوره وعليه ليست هناك دقيقة مطلقة ولكن هناك حقيقة نسبية وليست هناك حقيقة يقينية كما تدعى فلسفة كلاسيكية ولكن الحقيقة قابلة للخطأ.
أطروحة نيتشه :
إذا كان الخطأ لاينفصل عن الحقيقة فإن نيتشه لاينفصلها عن الوهم، فالحقيقة في نظره ليست سوى وهم من أوهام الحياة. انطلاقا من هذا التصور، يتأمل نيتشه عن طبيعة الحقيقة وإنما عن قيمتها ودورها في الحياة وتتحدد قيمة الحقيقة من وجهة نظره في فائدتها ومنفعتها لا وجود لحقيقة في معزل من غايات تضمن استمرار الحياة وبقائها، فالحقيقة ليست غاية في ذاتها بل هي وسائل لغاية نفعية، والحقيقة تدوم يقدرها تنفع بالحفظ الحياة والنوع الشيء الذي يعمل حتى بالأوهام هاته مادم أن المعيار الوحيد للحقيقة هو المنفعة.
إن الحقيقة في نظر نيتشه أوهام واعتبر هذه الحقائق وهما هذا اعتبرها مقنعة لنا، لكننا بينا أنها أوهام لأنها أوهام نافعة في معركة الصراع من أجل البقاء. يسمح هذا الحديث المينشوي الحقيقة بالتساؤل عن قيمتها وأهميتها.
4) الحقيقة بما هي قيمة :
تمهيد : إذا كانت الحقيقة في الفلسفة التقليدية يعتبر غاية في ذاتها وتستمد قيمتها من ذاتها لا من شيء خارجها، فإن الفلسفة المعاصرة وخاصة المدرسة البرنجماتية ستؤسس تصورا نفعيا للحقيقة.
– إشكالية : فمن أين تستمد الحقيقة قيمتها ؟ هل من ذاتها أم من منفعتها ؟ ألا يطرح التصور النفعي تساؤلات لا أخلاقية فيه بصدد الحقيقة.
أطروحة ويليام جيمس يؤسس ويليام تجيمس تصورا جديدا للحقيقة ينبني على أساس نظرة نفعية عملية وهكذا فجيمس على غرار نيتشه يقضي بدوره على فكرة الحقيقة المطلقة المنزهة عن كل غاية خارجية، ويؤكد عن الطابع البرغماني للحقيقة، إذ أن قيمة هذه الأخيرة تتجلى في كل ماهو نقعي عملي ومفيد، تأكيد يعبر عنه V . S يقول " امتلاك أفكار صادفة يعني على وجه الدقة امتلاك أدوات تمينة للعمل" من هنا يصبح معيار الحقيقة الوحيد هو صلاحيتها للعمل، والإنسان هو صانعها، وبذلك فإن الحقائق تتغير مغير المواقف ومايصلح لكل منها، وتختفي الحقيقة الكلية الثابثة وتصبح نسبية، تختلف باختلاف المصالح وتداركها وهكذا فما يكون نافعا بالنسبة لي قد يكون ضارا بالنسبة لغيره، مما يجعل النظرية البرغماتية بطريقة لا أخلاقية.
أطروحة بركسون :
رغم الطابع اللاأخلاقي للحقيقة إلى أن بركسون يدافع عنها باعتبارها تقدم بديلا للمفهوم التقليدي للحقيقة الذي لايرى فيما إلا مطابقة الفكر بالواقع فهذه المطابقة غير ممكنة في نظرها، لأنه ليست هناك واقع تابث حتى يتطابق معه الفكر، إن الواقع دائما متحرك، مما يجعل الحقيقة السباق للمستقبل واستعداد له.
أطروحة كانط :
إن هذا التأويل للحقيقة على بركسون لايلغي طابعها اللاأخلاقي الشيء الذي يجعل المفهوم الكانطي للحقيقة باعتبارها واجبا أخلاقيا ذا بعد إسناني رفيع، يحتفظ بأهميته وراهنية، وهكذا يرى كانط أن الكذب لايضر بالإنسانة فقط بل يضر بمفهوم الواجب الذي يجعل قول الحقيقة واجبا أخلاقيا ينبغي أن يلتزم به الجسم، وكما يرفض كانط أن تكون الحقيقة ملكا خاصا للبعض دون الآخرين فإنه يجعلها واجبا مطلعا يتساوى فيه جميع الناس مهما اختلفت مذاهبهم وأعراقهم وجنسياتهم.
خاتمة : لقد ظلت الحقيقة ومازالت هدفا وغاية لكل معرفة إنسانية فأن تكون الحقيقة غاية المعرفة معناه أنها غير موجودة وتاريخ الفلسفة – قدم نفسه على أنه السعي الدائم وراء الحقيقة، ومن هنا منبع النسباين والاختلاف في تحديدها. تبعا الاختلاف الأنساق الفلسفية والمراحل التاريخية التي تأطرها. لذلك اتجهت الفلسفة المعاصرة إلى البحث في الحقيقة لا بالمعنى الحقيقة، ولكن البحث في الحقيقة من حيث قيمتها ودورها في المجتمع.
- تحليل نص الحقيقة هو المفيد -
مقدمة : يتحدث النص عن مفهوم الحقيقة أو عن الحقيقة من حيث مفهومها وقيمتها ووظيفتها. وماهي الحقيقة ؟ هل هي مطابقة الفكر للواقع ؟ هل تعتبر غاية في ذاتها ؟ أم مجرد أداة ووسيلة لتحقيق المنفعة بمعنى آخر هل الحقيقي هو المفيد ؟ ألا يطرح التصور النفعي للحقيقة تساؤلات أو نتائج لا أخلاقية ؟ ماهي حدود التصور النفعي للحقيقة ؟
- عرض :
يرى ويليام جيمس أن الحقيقة ليست هي مطابقة الفكر للواقع وليست غاية في ذاتها، وإنما هي أداة ووسيلة لإشباع حاجات ضرورية، والتأثير في واقعنا وسلوكنا، فالأفكار النافعة والمفيدة وليس الصادقة هي ما ينبغي السعي إلى اكتسابها، وبالتالي فإن امتلاك الحقيقة يعني امتلاك المفيد (أدواة مفيدة ونافعة) فالحقيقة عند ويليام جيمس هو المفيد .
- ينقسم هذا النص إلى مجموعة من الفقرات ففي الفقرة الأولى : يتحدث عن المفهوم البرغماني للحقيقة باعتبارها أداة للحمل وهي ما ينبغي أن يكتسبها.
وفي الفقرة الثانية : يعتمد ويليام جيمس أكثر في مفهومه للحقيقة والانسام الحاجات وليس لغاية وفي الفقرة الثالثة يرفض المفهوم الشائع للحقيقة باعتبارها مطابقة لأن الصادق ليس هو المطابق وإنما هو المفيد بسلوكنا وفكرنا أي الذي يساعدنا عن التأثير في الواقع.
ليختم هذا النص في الفقرة الأخيرة بخلاصة يختزل فيها تصوره المام للحقيقة في المفيد والنافع. يستمد الكاتب في تصوره للحقيقة على دواعي عقلية نفعية، ذلك أن ما يهم الناس هو ما ينفعهم وماسيساعدهم على التمييز بين الوقائع الضارة والوقائق الناتجة وقد اتخذ النص صبغة تقريرية في عرضه لأطروحته حيث يبدأ دائما بالتأكيد على موقفه، تصوره للحقيقة ليعقبه بعد ذلك شرح تفصيلي لهذا المفهوم مثل على أولا أن أذكركم، ومن الواضح كل الوضوح... والآن ماذا ينبغي لنا نفهم من كون الحقيقة...، أختصر كل هذا قائلا... .
الحقيقة
تأطير مجزوءة المعرفة
يعتبر الإنسان كائنا عارفا ومنتجا للمعرفة. ولذلك فقد احتل مبحث المعرفة في مجال التفكير الفلسفي مكانة هامة في انشغالات الفلاسفة وأبحاثهم. وقد طرحت عدة إشكالات في هذا المبحث من قبيل: إمكانية المعرفة، مصدرها، طبيعتها، معاييرها، قيمتها، وظيفتها ومناهج الوصول إليها وطرق إنتاجها…
وغالبا ما يتم التمييز في عملية إنتاج المعرفة بين ثلاثة عناصر رئيسية: الذات العارفة،موضوع المعرفة، ومنهج المعرفة. ومعظم الإشكالات التي يتم إثارتها في مجال المعرفة تتعلق بالتفاعلات الحاصلة بين هذه العناصر الثلاث.
وقد ندبت الفلسفة نفسها منذ البداية من أجل البحث عن الحقيقة أو المعرفة الصحيحة. ولذلك فقد عمل الفيلسوف على ابتكار مناهج عقلية تمكن من إنتاج معرفة بالأشياء مخالفة للمعرفة السائدة أو بادئ الرأي. وهي معرفة مؤسسة على براهين وحجج عقلية وليست مجرد معرفة عفوية وتلقائية. كما كان هدف الفيلسوف بالأساس هو الوصول إلى الحقيقة، أي البحث عن الحقيقية من أجل الحقيقة، وهو ما أدى إلى التساؤل فيما بعد عن قيمة الحقيقة وعن الهدف من البحث عنها. وللتعرف عن الحقيقة أو المعرفة الصحيحة كان لا بد للفلاسفة من أن يضعوا معاييرا للتمييز بين الحقيقة من جهة وأضدادها كالخطأ والوهم والكذب من جهة أخرى، وهي المعايير التي سيختلف الفلاسفة في تحديدها كل واحد من منطلقه الخاص.
هكذا إذن سيعالج الفلاسفة مجموعة من الإشكالات المتعلقة بالحقيقة أو بالمعرفة بوجه عام، من أهمها الإشكالات الثلاث التي نجدها في مفهوم/درس الحقيقة وهي: الحقيقة والرأي، معايير الحقيقة وقيمتها.
ومن المعروف أنه، وابتداءا من القرن التاسع عشر ستظهر العلوم الإنسانية وتحاول الانفصال عن الفلسفة لدراسة موضوعاتها بمنهاج مستقلة عن التأمل الفلسفي،كما ستزدهر الأبحاث الإبستيمولوجية المتعلقة بالتفكير النقدي والتحليلي الذي سينصب على المعرفة العلمية الدقيقة، سواء في ما يخص مناهجها أو مفاهيمها أو نظرياتها أو تاريخها…
انطلاقا من هنا، يمكن أن نلاحظ أن الإشكالات المتعلقة بالمعرفة تطرح في هذه المجزوءة على ثلاثة مستويات رئيسية: مستوى المعرفة بمعناها الفلسفي العام (الحقيقة)، مستوى المعرفة المتعلقة بمجال العلوم الحقة ومستوى المعرفة المتعلقة بالعلوم الإنسانية. ومادام أن الأمر يتعلق بإشكالات تخص مشكلة المعرفة، فإننا نجد تقاطعات بين إشكالات المفاهيم الثلاث؛ فإشكال التمييز بين المعرفة العقلية العالمة والمعرفة العامية المتداولة،و كذلك إشكال معايير المعرفة حاضران في درس الحقيقة وفي درس النظرية والتجربة؛ ففي المحور الأول من درس الحقيقة نجد إشكال الحقيقة والرأي وهو يتقاطع مع إشكال التجربة والتجريب في درس النظرية والتجربة، ذلك أن الأمر يتعلق في كلا المحورين بالتمييز بين المعرفة العقلية المؤسسة على البراهين أو التجارب العلمية من جهة، وبين المعرفة الموجودة لدى الحس العام والتي ترتبط بالتجارب الحياتية المشتركة. ويظل مفهوم الحقيقية منفردا بإشكال يتعلق بقيمة الحقيقة، أي بجدواها والهدف من البحث عنها.
أما محور العقلانية العلمية في درس النظرية و التجربة، فهو يثير في آخر المطاف الإشكال المتعلق بمصادر المعرفة ومناهج الوصول إليها، وهو الأمر الذي يثير التعارض الحاصل بين أنصار النزعة العقلانية وأنصار النزعة التجريبية من جهة، كما يثير من جهة أخرى الاختلاف القائم بين نمط العقلانية الذي أفرزته الأبحاث الإبستيمووجية في مجال المعرفة العلمية الدقيقة، وبين نمط العقلانية الذي كان سائدا في الفلسفة الكلاسيكية.
وإذا تأملنا في درس “مسألة العلمية في العلوم الإنسانية”، فإننا نجده يثير إشكالا ميتودولوجيا (يتعلق بمنهج المعرفة) يتمثل في الكيفية التي ينبغي انطلاقا منها دراسة الظاهرة الإنسانية، سواء كانت ظاهرة نفسية أو اجتماعية أو غيرها. ولذلك نجد موقفين متعارضين؛ أحدهما أراد اقتفاء أثر العلوم الدقيقة وتطبيق مناهجها على الظواهر الإنسانية، وهو الموقف الوضعي العلموي، وموقف شاء ابتكار مناهج خاصة بالظاهرة الإنسانية نظرا لخصوصيتها وتميزها عن الظاهرة الطبيعية. وهذا التعارض هو الذي أفرز ما يسمى بأنصار منهج التفسير والقول بإمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية ودراستها دراسة علمية دقيقة، وأنصار الفهم القائلين بوجود صعوبات تحول دون إمكانية الموضعة هاته، مما يستلزم البحث عن مناهج جديدة ومتناسبة مع طبيعة الظواهر الإنسانية.
وعلى العموم، فنحن نلاحظ أن الأمر يتعلق في هذه المجزوءة بإشكالات متقاطعة تخص بالأساس مصادر المعرفة ومناهجها ومعاييرها، سواء تعلق الأمر بالمعرفة بمعناها الفلسفي العام (الحقيقة) أو المعرفة العلمية في مجال العلوم
الدقيقة (الرياضيات، الفيزياء…) أو المعرفة الإنسانية في مجال العلوم الإنسانية( علم النفس، علم الاجتماع …).
النظرية و التجريب
التجربة و التجريب:
الإشكال: هل للتجربة دور في بناء النظرية العلمية ؟
أطروحة النص : يؤكد CUVILLIERمن خلال مجموعة من الأمثلة دور التجربة العلمية أو التجربة في تأسيس النظرية العلمية حيث ينطلق العالم من ملاحظة الظواهر الطبيعية الفيزيائية ليضع فرضيات يخضعها إلى التجريب للتأكد من مدى صلاحيتها و صحتها ليخلص إلى قوانين علمية يعممها على جميع الظواهر المتشابهة و بذلك فالتجربة العلمية هي منطلق النظرية و منتهاها ، لكن ما هو الفرق بين التجربة بصفة عامة و التجربة العلمية.
جواب:يؤكد كوبري بين مفهوم التجربة بصفة عامة باعتبارها مجموع التعلمات و الخبرات التي يكتسبها الفرد من الحياة و تتميز بالعمومية و النفعية و الذاتية و المباشرة و يخضع لملاحظة عامة غير دقيقة عفوية و يعتبرها عائقا أمام العالم في رفض الأديان و بين التجريب و التجربة العلمية التي هي إعادة بناء ظاهرة معينة وفق شروط محددة يصنعها العالم ذاخل مجال مختبر في زمان و مكان محدد متحكم فيه يتيح للعالم مراقبة الظاهرة بشكل دقيق و تسجيل ملاحظته خلال مسارها انطلاقا من توجيه عقلي محدد علمي .
فما هي إذن أهم الخطوات للمنهج التجريبي؟
نص : روني طوم:
الإشكال الذي يجيب عنه النص:ما هي الخطوات الإجرائية للمنهج التجريبي و ما هي شروط الواقعة التجريبية كي تكون واقعة علمية؟
أطروحة النص: يعترض في البداية روني طوم على المنهج التجريبي في صورته الكلاسيكية الديكارتية ،و يقر بوجود وقائع أو ممارسة تجريبية تتطلب مجموعة من الإجراءات كي تكون علمية و هي :
-عزل الظاهرة المدروسة عن مجالها الطبيعي و إعادة بنائها داخل مجال مختبري قد يكون واقعيا أو خياليا.
-إخضاع هذه الظاهرة للإختبار التجريبي بحيث تكون تحت مراقبة العالم .
-إحداث اختلال عن الظاهرة المدروسة وفق مصادر موجهة بعناية .
-تسجيل وتدوين استجابات الظاهرة المدروسة لهذا الخلل بواسطة أجهزة دقيقة، و لكي تكون الواقعة التجريبية علمية لابد من توفر شرطين اساسيين:
-قابليتها لإعادة بنائها و تكرارها في مجالات زمكانية مختلفة.
-أن تجيب هذه الواقعة التجريبية عن حاجات إنسانية نظريا أو تطبيقيا.
استنتاج:
إدا كان ARMEND CUVILLIER قد قدم مجموعة من الأمثلة ليؤكد العلاقة بين النظرية و التجريب العلمي ، و ليبين كيف أن العالم ينطلق من ملاحظة ظاهرة أو حادثة فيزيائية معينة ليضع افتراضا أو فرضية هي بمثابة تفسير مؤقت لهذه الظاهرة لينتقل بعد ذلك إلى إخضاعها لإختبار التجريبي من خلال توفير شروط و أجهزة علمية دقيقة و حين يعيد التجربة عدة مرات و تتأكد الفرضية ينتقل إلى استنتاج القانون العلمي فيعممه على جميع الظواهر المشابهة للظاهرة المدروسة، و في هذا الصدد يقول كلود برنار»إن الحادث )الظاهرة( يوحي بالفكرة و الفكرة تقود إلى التجربة، و التجربة تختبر الفكرة . « مما يجعل العلاقة بين النظرية و التجريب علاقة جدلية و يرىروني طوم المنهج التجريبي الكلاسيكي غير قائم الذات فهناك و إنما هناك وقائع تجريبية،ةتقتضي إجراءات محددة و هي :
-عزل الظاهرة عن مجالها الطبيعي و إعادة بنائها داخل مجال مختبري و توفير شروط و أجهزة علمية دقيقة و تدوين جميع الملاحظات المتعلقة بالمسار التجريبي و حين تتأكد الفرضية من خلال تجارب متعددة في مجالات مختلفة تتحول إلى قانون علمي يصاغ صياغة رياضية، و يشترط في الواقعة التجريبية لكي تكون علمية أن تكون قابلة للتكرار و إعادة بنائها و أن تجيب عن حاجات إنسانية إما نظرية أو تطبيقية. إدا كانت التجربة هي معيار و مقياس صدق أو بطلان الفرضية فماهو دورالعقل في بنائها؟ هل للعقل دور في تأسيس النظريات ؟ أم أنها معطاة في الواقع التجريبي ؟
العقلانية العلمية :
ما هي خصائص العقلانية العلمية؟ ما هي حدودها ؟
نص : هانز رايشبانخ:
الإشكال الذي يجيب عنه النص: إلى أي حد تستطيع النزعة العقلانية ، المثالية و الحديثة بناء المعرفة العلمية؟
الاطروحة : ينتقد هانز رايشبانخ النزعة العقلانية المثالية و الحديثة لأنها تتعالى عن الملاحظة الحسية و التجريب، و تعتبر أن للعقل قوة خاصة تجعله قادرا على اكتشاف القوانين الفيزيائية العامة للعالم اعتمادا على الاستنباط و الحدس العقلي ، و يرى أن المعرفة العلمية لا يمكنها أن تستغني عن الملاحظة و التجريب مما يجعل النزعة العقلية اقرب إلى النزعة المثالية و التصوف منه إلى العلمية .
البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية الاثبات و التأكيد و الاتساق المنطقي.
نص : البير أنشاتين:
الإشكال الذي يجيب عنه النص: ما هو أساس المعرفة العلمية هل هو الإختبار التجريبي أم البناء العقلي الرياضي أم هما معا؟
الأطروحة: ينطلق انشتاين من انتقاد التصوير الذي يعتبر التجربة مجرد ملاحظة للواقع و أن النظرية عبارة عن تأمل ذهني خالص، ليؤكد أنه لا وجود لنظرية علمية عقلية خالصة و لا وجود لتجربة علمية مستقلة عن العقل. فبناء النظرية العلمية يقتضي التجربة و الملاحظة و العقل معا لأن انغلاق النظرية على ذاتها يؤدي إلى فنائهما ، فالمفاهيم و المبادئ المكونة للنظرية العلمية يبدعها العقل و لكن بتوجيه من التجرببة فالعقلانية العلمية المعاصرة هي عقلانية مبدعة تبتكر مفاهيمها و مبادئها من العقل الرياضي و تكون المعطيات التجريبية تابعة لهما فالعقل الرياضي هو مبدع النظريات و لكن دون استغناء عن الملاحظة و التجربة .
استنتاج :
نستنتج إذن أن التجربة كما تصورتها النزعة التجريبية أصبحت متجاوزة فهي لم تعد تتحكم في بناء النظرية العلمية كما أن العقل كما تصورته النزعة العقلانية المثالية و الحديثة لم يعد مكتفيا بذاته و قادرا على الإستغناء عن الملاحظة و التجربة بل أصبحت النظرية العلمية بناءا عقليا حرا يؤسسهما العقل الرياضي بتوجيه من التجربة. «إن اكتشاف المفاهيم و القوانين التي تحل بينهما هي من انتاج العقل الرياضي إلا أن التجربة تظل موجها و مرشدا للعقل في اختياره للمفاهيم » وهكذا فالعقلانية المعاصرة هي عقلانية مبدعة تبتكر مفاهيمها و أدواتها اعتمادا على العقل الرياضي وتحولت المعطيات التجريبية إلى موجه للعقل و تابعة له فما هي إدن معاييرالعلمية النظرية و مقاييس صلاحيتها؟
معايير العلمية النظرية :
ماهي معايير النظريات؟ ماهي معايير صلاحيتها؟
نص: الحسن ابن هيثم:
الإشكال الذي يجيب عنه النص:هل يمكن اعتبار النقد معيار العلمية النظرية؟
الأطروحة:يؤكد ابن هيثم على أن الناظر و الباحث في العلوم عليه أن يتسلح بالرؤية النقدية ليكشف عن مواطن النقص في النظريات العلمية و عن ضعفها و تناقضاتها قصد تعديلها و تجاوزها.
البنية الحجاجية : يوظف النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية العرض و التوضيح والتفسير و الاستشهاد بمثال : )نمودج بطلموس .(
نص: كارل بوبر:
الإشكال الذي يجيب عنه النص: هل يمكن اعتبار التكذيب و التفنيد مقياسا و معيارا لصلاحية النظرية العلمية؟
أطروحة النص: يبين كارل بوبر أن ما يميز النظرية العلمية التجريبية عن غيرها من النظريات غير العلمية هي قابليتها للتكذيب و التفنيد.
البنية الحجاجية: لقد اعتمد النص أسلوبا حجاجيا يعتمد آلية التأكيد و الإثبات و الإتساق المنطقي بالإضافة إلى الإستشهاد بأمثلة.
استنتاج:
إذاكان ابن الهيثم قد أكد على معيار النقد و المساءلة النقدية كمقياس لعلمية النظريات، حيث دعى إلى التسلح بالرؤية النقدية حين التعامل مع النظريات العلمية للكشف عن ما تحتويه من أخطاء و تناقضات قصد تجاوزها.
فإن كارل بوبر يؤكد أن النظرية لا تكون علمية تجريبية إلا إذا كانت قابلة للتنفيد و التكذيب، فالنظرية العلمية التجريبية هي التي تستطيع أن تقدم الاحتمالات الممكنة التي تفند بها ذاتها و تبرز نقاط ضعفها و تجعل فرضياتها قابلة للتكذيب
الحقيقة
إطار الدرس :
تحددت الفلسفة منذ نشأتها حتى بداية العصور الحديثة بوصفها بحث عن الحقيقة، لذلك فإن مفهوم الحقيقة ينتمي إلى مجال الفلسفة باعتباره مفهوما فلسفيا بامتياز، غير أن تعدد أشكال المعرفة التي تجعل من الحقيقة موضوعا لها يؤدي إلى تعدد الحقائق، ومن تم يمكن الحديث عن حقيقة فلسفية وحقيقة علمية وفنية ودينية... ومن هنا ينبع الطابع الإشكالي لهذا المفهوم التي ستتم معالجته تاريخية بدءا من الفلسفة اليونانية مرورا عبر الفلسفة الحديث وانتماء بالفلسفة المعاصرة.
I- من الدلالة إلى الإشكالية .
أ- الدلالة المتداولة : يشير لفظ الحقيقة للدلالة المتداولة إلى معنيين أساسيين : الصدق والواقع، الحقيقي : هو كل ماهو موجود وجودا واقعيا، بينما الصادق هو الحكم الذي يطابق الواقع ومن تم، يكون الواقع هو مرجع الحقيقة وأساسها فكل ماهو واقعي حقيقي وكل ما هو مطابق للواقع صادق وحق.
غير أن هذا التحديد للحقيقة يطرح جملة من التساؤلات أليس اللاواقعي واللاحقيقي يمكن أن يوجد ضمن الواقع، مثل : الخطأ، الكذب، الخيال... فهذه الأشياء واقعية لكنها ليست حقيقة. معنى هذا أن ليس كل ماهو واقعي حقيقي أوكل ماهو حقيقي واقعي وبالتالي فإن الدلالة الحقيقية. الشيء الذي يفرض علينا تجاوزها والتفكير فلسفيا في مفهوم الحقيقة من خلال تحديد الدلالتين اللغوينوالفلسفية.
ب- الدلالة اللغوية يعرفها الجرجاني في كتابه التعريفات "هي الشيء التابت قطعا ويقينا، يقال حق الشيء إذا تبين، وهي إسم للشيء المستقر في محله ومابه الشيء هو هو الملاحظ أن الجرجاني في هذا التعريف يختزل الحقيقة فيما هو تابث ومستقر ويقيني يقابله المتغير والزائف والمتحول، وبذلك يلتقي هذا التعريف مع المعنى الأنطلوجي للحقيقة كماهية وجوهر في المقابل الأعراض المتغيرة والفانية. أما على المستوى المنطقي فيرادف لفظ الحقيقة الحق والصدق ويقابله الباطل والكذب فتصبح الحقيقة بهذا المعنى هي الحكم المتطابق مع الواقع، ففي الحق يكون الواقع مطابقا للحكم، بينما في الصدق يكون الحكم مطابقا للواقع وبذلك تكون الحقيقة صفة للحكم المطابق للواقع.
ج- الدلالة الفلسفية :
يعطي لا لونك 5 معاني للحقيقة : - الحقيقة بمعنى الحق حين يطابق الواقع الحكم وضده الباطل.
- الحقيقة بمعنى الصدق حين يطابق الحكم الواقع وضده الكذب .
- الحقيقة بمعنى الشيء المبرهن عليه.
- الحقيقة بمعنى شهادة الشاهد لما رآه أو فعله .
- الحقيقة بمعنى الواقع .
خلاصة : نستخلص أن الواقع عند la lande يتبقى معيارا وأساسها للحقيقة الشيء الذي يؤدي إلى طرح مجموعة من الاشكالات يمكن صياغتها على الشكل التالي : - إذا كانت الحقيقة تتميز بالثباث واليقين عما طبيعة علاقتها بالواقع المتغير؟ إذا كانت الحقيقة هي الحكم فهل هي صورة الواقع المنعكسة ففي الفكر والمعبر عنها في اللغة بمعنى آخر، لاتوجد الحقيقة خارج اللغة والفكر وإذا كانت هي الواقع فهل نسبية أم مطلقة ؟ متعددة أم واحدة ؟ ذاتية أم موضوعية ؟ هل توجد بمعزل عن الخطأ والكذب أي عن أصنافها ؟ أم أنها متلازمة ومتداخلة معها ؟ ماهي أنواع الحقيقة ؟ ومن ثم من أين تستمد الحقيقة قيمتها ؟ .
II- الحقيقة والواقع .
تمهيد :
سنعالج في هذا المحور طبيعة العلاقة بين الحقيقة والواقع من خلال استحضار التصورات الفلسفية المرتبطة بهذا الموضوع، سواء تحلق الأمر بالفلسفة اليونانية أو الفلسفة الحديثة أو الفلسفة المعاصرة.
- الإشكالية : إذا عرفنا الحقيقة أنها خاصية ماهو تابت ومستقر وبقية فما هي طبيعة علاقتها بالواقع كمعطى متغير ومتحول ؟ هل هي الواقع ذاته أم هي مطابقة الفكر للواقع ؟ أم أن الأمر يتجاوز هذا وداك.
1) الفلسفة اليونانية :
أ- أطروحة أفلاطون : يعتبر أفلاطون أن وراء التغير في الأشياء وتحولها الدائم ماهيات تابثة ودقائق خالدة تمثل الواقع الحقيقي سماها أفلاطون بعالم المثل وهو عالم أزلي خالد لايلحقه التغير والفساد لأن المتغير والفاسد هو الواقع المحسوس وهكذا وفي نظر أفلاطون هناك عالمين : عالم المثل و هو عالم سامي فوق العالم المحسوس ومفارق له، يمثل عالم الموجودات و الصور العقلية الثابتة التي منها تستمد جميع الأشياء الحسية ووجودها، ففي المقابل كل الأشياء الحسية الكثيرة والمتنوعة توجد صورة عقلية في عالم المثل هي أصل هذه الأشياء، وماهذا الأشياء الأخيرة إلا نسخ مشوهة لتلك الصور العقلية الحقيقية وبذلك يكون مبدأ الواقع الحسي هو عالم المثل الذي يعبر في نظر أفلاطون الواقع الحقيقي، فبينما ينتمي الواقع الحسي إلى عالم التغير والفناء، عالم الأوهام والنسخ المشوهة غير الحقيقية نجد عند أفلاطون أن الحقيقة لايمكن أن توجد إلا في العالم المعقول، عالم الصور العقلية الخالصة الذي لاندر كما إلا بالتأمل العقلي والمجرد التي يعوقه الحواس عن إدراك هذا الواقع الحقيقي .
- أرسطواطاليس .
إذا كانت الحقيقة حسب أفلاطون تابثة وعقلية، فإنها لاتوجد في عالم المثل، فهذه النظرية حسب أرسطوطاليس ليست سوى مجازات شعرية لا وجود لها في الواقع، لذلك فإن الحقيقة لاتخرج عن هذا العالم الحسي المتغير، فوراء تغير الأشياء ولاولى الدائم هناك الملهيات التابتة لأن التغير في نظر ارسطو لايتم إلا في إطار التبث والاستمرار وبذلك فإن الحقيقة عند أرسطو هي ماهية مجانية للأشياء متظمنة فيها يتم التوصل إليها بواسطة عملية التجريد تلغى فيها الأعراض المتغيرة الزائلة ويتم الاحتفاظ بالماهيات العقلية الكلية الذي تمثل الواقع الحقيقي وهكذا يعتبر أرسطو أن لكل شيء طبيعة جوهرية هي حقيقة التي توجد وراء الأعراض الحسية.
ينتهي إذن أرسطو إلى نفس موقف أفلاطون من الحقيقة وكل ما فعله هو إيزال تلك الصور العقلية زمن عالم المثل إلى الواقع الحسي وجعلها عقلية ومعقولة توجد في الفكر لكن إدراكها لابد أن يمر عبر الحواس الشيء الذي تجعلنا نواجه التساؤل التالي : - ألم تحول الحواس دون إدراك الحقيقة ؟ ثم حينما نحدد الحقيقة في العقل ألا نواجه إشكال آخر هو إشكال المطابقة، مطابقة الفكر للواقع، ألا يطرح هذا التطابق جملة من المفارقات الناتجة عن التناقض بين طبيعة الفكر والواقع.
2) الحقيقة بما هي مطابقة الفكر للواقع :
أ- أطروحة ديكارت، إن خداع الحواس وتشويش على العقل هو مادفع ديكارت إلى إقصاءها من عالم الحقيقة، حيث شك في لحواس وفي المعارف الجاهزة، والأحكام المسبقة... معتبرا أن الشك هو أضمن طريق للوصول إلى الحقيقة، التي جعلها تتحدد للأفكار الواضحة والمتميزة التي لاتقبل الشك. ينطلق ديكارت إذن من الشك في الحواس لأنها تخدعنا وفي المعارف السابقة وفي كل شيء إلى أن ينتهي إلى القول بفكرتين عقليتين هما : الفكر والامتداد وهما، فكرتين فطرتين في العقل استمدهما من ذاته اعتمادا على قواه الذاتية : يقول ديكارت "كل الموضوعات معرفتي أفكار في عقلي" الفكر خاصية الوحيدة هي التفكير ولايشتغل حيزا في المكان بينما الامتداد لايفكر، يمتد بالمكان ويمكن قياسه ومن منا ينتمي ديكارت إلى القول بالواقعين هما الفكر والامتداد، وهما واقعان متناضران لانستطيع أحدهما التأثير في الآخر الشيء الذي يجعلنا أمام عالمين متوازين، عالم روحي حقيقي هو الفكر واضح ومتميز يتطابق مع واقع حسي ومادي الشيء الذي يجعلنا نواجه التساؤل التالي : إذا كانت الحقيقة بناء عقليا خالصا فإن تحديدها كتطابق يطرح جملة من الاشكالات : كيف يمكن لشيئين من طبيعتين متناقضتين أن يتطابقا الحقيقة ؟ من طبيعة عقلية روحية، بينما الواقع من طبيعة مادية. كيف نضمت التطابق بينما في الأدهان، ومافي الواقع الخارجي ؟ .
الحل الذي يقدمه ديكارت الضمان الإلاهي يظل غير مقنع على الشيء الذي جعل بسينورة يقول، نحو مر الواحد الذي يكون بقيمته مستمد من ذاته وبالتالي فالحقيقة هنا هي معيار ذاتها .
ب- أطروحة جون لوك :
يرفض لوك أطروحة ديكارت الفاعلة للأفكار الفطرية فإذا كان العقل في نظره هو صفحة بيضاء وكل الأفكار والمعارف التي تحصل عليها من الواقع التجريبي فهذه الأفكار بتطابق مع الأشياء المادية وعليه فإن الحقيقة هنا هي تطابق الفكر والواقع وأساس الحقيقة هنا ليس هو العقل وإنما هو التجربة.
خلاصة : هكذا يقدم كل من ديكارت ولوك نضرة أحادية الجانب للحقيقة فدلكارت يميل إلى العقل ويجعله مصدر الحقيقة بينما يجعل لوك إلى التجربة و يجعلها مصدرا للحقيقة.
أطروحة على عكس النظرة الأحادية للجانب الإتجاهين السابقين. للحقيقة قدم كانط تصورا نقديا لكتب (جدلي) للحقيقة معتبرا أن هذه الأخيرة لاتوجد في الذهن على نحو فطري كما يقول ديكارت، وليست معطاة بالواقع الحسي كما يزعم التجريبيون، وإنما تبنى وتشيد. تأسس الحقيقة وفق هذا التصور النقدي على تطابق المعطيات الواقع الحسي مع البنية القبلية للعقل، فالواقع يزودنا بمادة الحقيقة والعقل يزودنا بصورتها وهكذا فلا وجود في نظر كانط لحقيقة عقلية خالصة، أو حقيقة تجريبية محضة، إن الحقيقة ليست هي مطابقة الفكر للواقع وإنمامي انتظام معطيات الواقع الحسي مع النظام القبلي للعقل (المقولات، الزمان، المكان) تبقى الحقيقة إذن مشروطة لما تعطيه التجربة للعقل ومايمد به العقل معطيات التجربة، بمعنى آخر أن الحقيقة تظل رهينة مطابقة الفكر للواقع .
تحليل نص : الحقيقة الصورية والحقيقة المادية :
يتحدث هذا النص (الحقيقة الصورية والحقيقة المادية) لصاحب إما نويل كانط وهو بالمناسبة فيلسوف ألماني اشتهر بالفلسفة النقدية التي حاولت التوفيق بين الفلسفة العقلانية والفلسفة التجريبية وقدم نظرة تركيب للحقيقة تحاول الجمع بين بعدها الصوري العقلاني وبعدها المادي التجريبي. والنص الذي بين أيدينا مقتطف من كتابه المشهور (نقد العقل الخالص ومن خلال يحاول تقديم وجهة نظر نقدية حول الحقيقة لذلك تساؤل مع كانط ماهو مفهوم الحقيقة ؟ ماهي أنواعها ؟ وهل هناك معيار للحقيقة ؟ وإذا كان هذا المعيار موجودا فما هي طبيعته ؟ يعرف كانط بالحقيقة على أنها مطابقة الفكر لموضوعه وهكذا يميز بين نوعين من الحقيقة، دقيقة مادية، وأخرى صورية، ففي الحقيقة المادية تكون بمعنى المطابقة أي مطابقة المعرفة (موضوعها وهنا لايمكن أن يكون هناك معيارا كليا وشموليا للحقيقة ينطبق على جميع الموضوعات أما فيما يتعلق بالحقيقة الصورية فيعني بها مطابقة المعرفة لذاتها وهنا يمر كانط بوجود معيار كلي وشمولي للحقيقة سماه المنطق، والمنطق في نظره هو مجموعة من القواعد والقوانين العامة في الفكر التي تكون معيار الصواب والخطأ. فما يتطابق مع هذه القواعد يكون صائبا وحقيقيا، وما يخالف هذه القواعد يكون خاطئا هكذا ينتهي كانط إلى بناء تصور نقدي للحقيقة ينبني على فكرة المطابقة مطابقة المعرفة للموضوع ومطابقة المرفوض والمنطوق للشيء مما يجعله لايخرج عن التصور التقليدي للحقيقة .
مناقشة :
من خلال أطروحة مارتن هيدوجر ونظرا لإستحالة تطابق ماهو عقلي مجرد مع ماهو مادي محسوس فإن هيدجر يعمل على طرح مفهوم آخر للحقيقة لايقوم على المطابقة وإنما على الحرية والانفتاح وهكذا يرى هيدجر أن ماهية التطابق تنحصر في طبيعة العلاقة بين المنطوق أو الفكر وبين الشيء من حيث أن التطابق يعني حضور الشيء ومثوله أمام الذات غير أن التطابق بهذا المعنى يؤدي إلى الحد من تريه الوجود وانفتاحه الشيء الشيء الذي يقول إلى تحجبه واختفاءه.
3) أنواع الحقيقة :
تمهيد : إذا كانت الحقيقة مرتبطة بالخطاب واللغة وإذا علمنا أن هناك خطابات متعددة وليس خطابا واحدا ذلك سيؤدي إلى تعدد الحقيقة وتنوعها بتعدد هذه الخطابات.
- هل الحقيقة واحدة أم متعددة ؟ وإذا كانت متعددة فماهي أنواعها ؟ ثم من أين تستمد مصدرها ؟ كيف يتم إقناع الآخرين بها.
1) أطروحة ابن رشد : يرى ابن رشد أن الحقيقة الواحدة هي الحقيقة الدينية التي تستمد مصدرها من الوحي الالاهي. لكن الحقيقة وإن كانت واحدة فإن طرق تبليغها وإقناع الناس بها متعددة تختلف باختلاف مستواهم المعرفي والعقلي وماجدلوا عليه من التصديق ذلك أن طباع الناس متفاضلة للتصديق فمنهم من يصدق بالبرهان وهو خاص بالفلاسفة، ومنهم من صدق بالجدل وهو خاص بالمتكلمين، ومنهم من يصدق بالخطابة وهم عامة الناس.
يستنتج ابن رشد من هذا التصور الوحدوي للحقيقة على أن الحقيقة الفلسفية لاتخالف المشرع لأن كلاهما يطلب الحق والحق لايضاد الحق بل يوافقه وشهد لتك ما يقول ابن رشد نفسه وبذلك فإن الحقيقة واحدة وإن تعددت سبل الوصول إليها.
2) أطروحة مشيل فوكو : يقسم فوكو الحقيقة إلى 14 أنواع فهناك الحقيقة البنوية والحقيقة الفلسفية والسياسية والعلمية، وبالتالي فإن الحقيقة الدينية إن هي إلا وجه واحد من أوجه الحقيقة المتعددة والمتنوع. ولكن من أين تستمد الحقيقة قيمتها ومصدرها ؟ كيف تفرض نفسها وسلطتها على الناس ؟ يجيب فوكو أن الحقيقة تستمد مصدرها وقيمتها من المجتمع الذي تنتمي إليه لذلك أن لكل مجتمع نظامه الخاص وسياسته العامة التي تحدد شروط إنتاج الحقيقة وتداولها واستهلاكها، ومعايير التمييز بين الخطاب الحقيقي والخطاب الخاطئ، والحدود التي لاينبغي أن تتجاوزها، ومن له الحق في قولها واستهلاكها وعليه فإن إنتاج الحقيقة وتأسيس النواة التي لها الحق في القول الحقيقة يتم تحت مراقبة المؤسسات الاجتماعية (الجامعة المدرسة الأسرة، وسائل الاعلام...) وفق طقوس خاصة ومراسيم محددة سلفا، إن هذه الرقابة المفروضة على الحقيقة هي التي بتث مدى علاقة الحقيقة بالمؤسسة والسلطة التي تنتجها وتدعمها، وبالتالي فإن الحقيقة تستمد قيمتها من المؤسسة والسلطة، فلا حقيقة بدون سلطة لأن الحقيقة هي مدار كل سلطة.
3) أطروحة G Bachelard :
إن هيمنة المؤسسة على الحقيقة لم تسلم منها حتى الحقيقة العلمية المحصورة داخل شبكة من المؤسسات كالجامعات ومنظومة الكتب والنشر والطبع والخزانات، فهذا الخطاب الذي فرض نفسه القادر للوصول إلى الحقيقة دقيقة وناجحة. أنبث تاريخ العلم أن الحقيقة بشكل عام والحقيقة العلمية بشكل خاص لاتوجد بمعزل عن الخطأ، بل إن إدكار نوار "يعبر أن أكبر منبع للخطأ هو الحقيقة نفسها" وهكذا يرى باشلار أن تاريخ الوقوع في الأخطاء، وإعادة تصحيحها باستمرار، فأخطاء الماضي في نظر باشلار تكشف عن نفسها كنوع من الندم والمراجعة المستمرة للحقيقة. إن الحقيقة العلمية هي دائما هدم لحقيقة سابقة لم تكن مقامة على أساس مثين وتجاوزه في نفس الوقت لما يمكن أن يشكل عقبة أمام المعرفة العلمية ذلك أن هذه المعرفة تحمل في ذاتها عوائق إيستمولوجية تؤدي إلى أخطاء وتقف حاجزا أمام تقدم المعرفة العلمية، ومن أبرز هذه العوائق هناك الحس المشترك والأحكام الجاهزة وبادئ الرأي أو الظن. إنما ينقص التجربة المباشرة والمعرفة المشتركة حسب باشلار هو منظور الأخطاء المصححة الذي يتم به الفكر العلمي المعاصر، والعلم مطالب بالتقلص من هذه العوائق الإيستمولوجية حتى يتقدم ويتطور، وهكذا فالخطأ في نظر باشلار جزء لايتجزء من بنيته الحقيقة العلمية المعاصرة حيث يلعب دورا إيجابيا لتقدم العلم وتطوره وعليه ليست هناك دقيقة مطلقة ولكن هناك حقيقة نسبية وليست هناك حقيقة يقينية كما تدعى فلسفة كلاسيكية ولكن الحقيقة قابلة للخطأ.
أطروحة نيتشه :
إذا كان الخطأ لاينفصل عن الحقيقة فإن نيتشه لاينفصلها عن الوهم، فالحقيقة في نظره ليست سوى وهم من أوهام الحياة. انطلاقا من هذا التصور، يتأمل نيتشه عن طبيعة الحقيقة وإنما عن قيمتها ودورها في الحياة وتتحدد قيمة الحقيقة من وجهة نظره في فائدتها ومنفعتها لا وجود لحقيقة في معزل من غايات تضمن استمرار الحياة وبقائها، فالحقيقة ليست غاية في ذاتها بل هي وسائل لغاية نفعية، والحقيقة تدوم يقدرها تنفع بالحفظ الحياة والنوع الشيء الذي يعمل حتى بالأوهام هاته مادم أن المعيار الوحيد للحقيقة هو المنفعة.
إن الحقيقة في نظر نيتشه أوهام واعتبر هذه الحقائق وهما هذا اعتبرها مقنعة لنا، لكننا بينا أنها أوهام لأنها أوهام نافعة في معركة الصراع من أجل البقاء. يسمح هذا الحديث المينشوي الحقيقة بالتساؤل عن قيمتها وأهميتها.
4) الحقيقة بما هي قيمة :
تمهيد : إذا كانت الحقيقة في الفلسفة التقليدية يعتبر غاية في ذاتها وتستمد قيمتها من ذاتها لا من شيء خارجها، فإن الفلسفة المعاصرة وخاصة المدرسة البرنجماتية ستؤسس تصورا نفعيا للحقيقة.
– إشكالية : فمن أين تستمد الحقيقة قيمتها ؟ هل من ذاتها أم من منفعتها ؟ ألا يطرح التصور النفعي تساؤلات لا أخلاقية فيه بصدد الحقيقة.
أطروحة ويليام جيمس يؤسس ويليام تجيمس تصورا جديدا للحقيقة ينبني على أساس نظرة نفعية عملية وهكذا فجيمس على غرار نيتشه يقضي بدوره على فكرة الحقيقة المطلقة المنزهة عن كل غاية خارجية، ويؤكد عن الطابع البرغماني للحقيقة، إذ أن قيمة هذه الأخيرة تتجلى في كل ماهو نقعي عملي ومفيد، تأكيد يعبر عنه V . S يقول " امتلاك أفكار صادفة يعني على وجه الدقة امتلاك أدوات تمينة للعمل" من هنا يصبح معيار الحقيقة الوحيد هو صلاحيتها للعمل، والإنسان هو صانعها، وبذلك فإن الحقائق تتغير مغير المواقف ومايصلح لكل منها، وتختفي الحقيقة الكلية الثابثة وتصبح نسبية، تختلف باختلاف المصالح وتداركها وهكذا فما يكون نافعا بالنسبة لي قد يكون ضارا بالنسبة لغيره، مما يجعل النظرية البرغماتية بطريقة لا أخلاقية.
أطروحة بركسون :
رغم الطابع اللاأخلاقي للحقيقة إلى أن بركسون يدافع عنها باعتبارها تقدم بديلا للمفهوم التقليدي للحقيقة الذي لايرى فيما إلا مطابقة الفكر بالواقع فهذه المطابقة غير ممكنة في نظرها، لأنه ليست هناك واقع تابث حتى يتطابق معه الفكر، إن الواقع دائما متحرك، مما يجعل الحقيقة السباق للمستقبل واستعداد له.
أطروحة كانط :
إن هذا التأويل للحقيقة على بركسون لايلغي طابعها اللاأخلاقي الشيء الذي يجعل المفهوم الكانطي للحقيقة باعتبارها واجبا أخلاقيا ذا بعد إسناني رفيع، يحتفظ بأهميته وراهنية، وهكذا يرى كانط أن الكذب لايضر بالإنسانة فقط بل يضر بمفهوم الواجب الذي يجعل قول الحقيقة واجبا أخلاقيا ينبغي أن يلتزم به الجسم، وكما يرفض كانط أن تكون الحقيقة ملكا خاصا للبعض دون الآخرين فإنه يجعلها واجبا مطلعا يتساوى فيه جميع الناس مهما اختلفت مذاهبهم وأعراقهم وجنسياتهم.
خاتمة : لقد ظلت الحقيقة ومازالت هدفا وغاية لكل معرفة إنسانية فأن تكون الحقيقة غاية المعرفة معناه أنها غير موجودة وتاريخ الفلسفة – قدم نفسه على أنه السعي الدائم وراء الحقيقة، ومن هنا منبع النسباين والاختلاف في تحديدها. تبعا الاختلاف الأنساق الفلسفية والمراحل التاريخية التي تأطرها. لذلك اتجهت الفلسفة المعاصرة إلى البحث في الحقيقة لا بالمعنى الحقيقة، ولكن البحث في الحقيقة من حيث قيمتها ودورها في المجتمع.
- تحليل نص الحقيقة هو المفيد -
مقدمة : يتحدث النص عن مفهوم الحقيقة أو عن الحقيقة من حيث مفهومها وقيمتها ووظيفتها. وماهي الحقيقة ؟ هل هي مطابقة الفكر للواقع ؟ هل تعتبر غاية في ذاتها ؟ أم مجرد أداة ووسيلة لتحقيق المنفعة بمعنى آخر هل الحقيقي هو المفيد ؟ ألا يطرح التصور النفعي للحقيقة تساؤلات أو نتائج لا أخلاقية ؟ ماهي حدود التصور النفعي للحقيقة ؟
- عرض :
يرى ويليام جيمس أن الحقيقة ليست هي مطابقة الفكر للواقع وليست غاية في ذاتها، وإنما هي أداة ووسيلة لإشباع حاجات ضرورية، والتأثير في واقعنا وسلوكنا، فالأفكار النافعة والمفيدة وليس الصادقة هي ما ينبغي السعي إلى اكتسابها، وبالتالي فإن امتلاك الحقيقة يعني امتلاك المفيد (أدواة مفيدة ونافعة) فالحقيقة عند ويليام جيمس هو المفيد .
- ينقسم هذا النص إلى مجموعة من الفقرات ففي الفقرة الأولى : يتحدث عن المفهوم البرغماني للحقيقة باعتبارها أداة للحمل وهي ما ينبغي أن يكتسبها.
وفي الفقرة الثانية : يعتمد ويليام جيمس أكثر في مفهومه للحقيقة والانسام الحاجات وليس لغاية وفي الفقرة الثالثة يرفض المفهوم الشائع للحقيقة باعتبارها مطابقة لأن الصادق ليس هو المطابق وإنما هو المفيد بسلوكنا وفكرنا أي الذي يساعدنا عن التأثير في الواقع.
ليختم هذا النص في الفقرة الأخيرة بخلاصة يختزل فيها تصوره المام للحقيقة في المفيد والنافع. يستمد الكاتب في تصوره للحقيقة على دواعي عقلية نفعية، ذلك أن ما يهم الناس هو ما ينفعهم وماسيساعدهم على التمييز بين الوقائع الضارة والوقائق الناتجة وقد اتخذ النص صبغة تقريرية في عرضه لأطروحته حيث يبدأ دائما بالتأكيد على موقفه، تصوره للحقيقة ليعقبه بعد ذلك شرح تفصيلي لهذا المفهوم مثل على أولا أن أذكركم، ومن الواضح كل الوضوح... والآن ماذا ينبغي لنا نفهم من كون الحقيقة...، أختصر كل هذا قائلا... .
الحقيقة